Saturday, December 26, 2009

ان الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم

دعوني أخبركم بقصة قصيرة ..

هي قصة ثلاثة شبان يعيشون في بلدة صغيرة، والبلدة فيها منفذ واحد لبيع الخبز. وعلى هذا المنفذ يتقاتل الناس كل يوم من أجل الحصول على الخبز الذي يسدون به أفواه أطفالهم الجائعة. والناس في هذه البلدة يتقاتلون بالمعنى الحرفي للكلمة، فيضربون بعضهم ويسفكون دماءهم من أجل الخبز. والبغضاء والكراهية والسرقة منتشرة بينهم. حتى حزن الشباب الثلاثة على حالهم وقرروا أن يجاهدوا من أجل تغيير أحوال بلدتهم إلى الافضل. وجعلوا هدفهم هو القضاء على الفوضى والزحام عند المخبز.

اقترح الشاب الأول حلاً، فقال لصاحبيه "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، وعليه فإننا سنغير نفوس الناس بالحكمة والموعظة الحسنة. سنجتمع بهم ونخبرهم أن الله يكره الشجار والفوضى ويحب النظام. وأن النظام والرضى وحب الآخرين يدخلكم الجنة. وبالفعل اتفق الثلاثة على تنفيذ الخطة. فصاروا في كل وقت وفي كل مكان يعظون الناس وينصحونهم. بل ويحملون لافتات عريضة أمام المخبز تُذكّر بوعد الله للصابرين والمتقين.

واهتدى الناس على أيديهم، وتعاهدوا أن تستيقظ ضمائرهم، ورضى الناس بهذا، ورحلت الكراهية من القلوب ووقفوا في طابور منتظم.

حتى جاءت الأخبار أن الدقيق شح، وبالتالي شح الخبز، فعاد الناس يتقاتلون أمام المخبز آملين الحصول على الخبز قبل نفاذه، ولم تعد تجدى الموعظة معهم نفعا لأنها لا تسد جوعهم. فانهارت كل كلمات الوعظ عند أول مشكلة.

وعاد الشباب الثلاثة يفكرون في خطة جديدة، فقال الثاني لصاحبيه إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وعليه فإننا سنستمر في وعظ الناس ولكن بأسلوب مختلف، وهو أننا سنقدم لهم فناً راقياً يجعلهم يخجلون من أنفسهم ويدركون سوء تصرفهم. فأقام الشباب مسرحاً وقدموا مسرحية رائعة ومؤثرة رسالتها أن الفوضى سيئة والنظام نافع. وبكى أهل البلدة من شدة التأثر، ولكنهم عادوا في اليوم التالي يتقاتلون أمام المخبز وكأنهم لم يشاهدوا شيئاً. فعلم الشباب أن الناس تحب البكاء على اللبن المسكوب، ولكنها لا تحاول أن تعيده إلى الكوب ثانية.

وقال الشاب الثالث إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ولذا فإننا سنشحن قلوب الناس ضد حكومة البلدة حتى يثوروا عليها، وبالتالي إذا تغير ما في قلوب الناس من سكوت عن الحق وطالبوا بحقوقهم وكرامتهم فإن الحق يعود ويغير الله ما حل بهم من ضعف وذل.

وبالفعل سار الشباب الثلاثة بين الناس يطالبونهم بالثورة على الظالمين، وبالجهاد وقول الحق في وجه سلطان جائر. واستجاب الناس لهم، فخرجت المظاهرات في كل مكان، وشهدت البلدة معارك ضارية بين قوات الأمن وأهل البلدة، وحدثت إضرابات عدة، حتى قررت الحكومة أن تعتقل المتظاهرين وتروج إشاعات بأنها تعذبهم عذاباً لا رحمة فيه، فخاف الناس واستكانوا، فعادت الحكومة لتقول أنها تبحث في مشكلة الخبز. وبالفعل عاد الخبز للظهور شهراً ثم اختفى ثانية وعادت الفوضى والقتال، ولم يعد الناس راغبين في التظاهر والاعتراض المسموع ثانية.

هنا اجتمع الشباب الثلاثة حيارى، وتساءلوا، لماذا لا يدوم الناس على التغيير. لقد فشلوا في تغيير الناس، وهم لا يعرفون وسيلة أخرى لتغييرهم، فقد جربوا كل الوسائل. جربوا الوعظ وجربوا الثورة فلم ينفع شيء. وعلموا أن هناك حكيماً يعيش في الصحراء فقرروا الذهاب إليه.

فلما حضروه وأخبروه عن مشكلتهم قال
"أنتم لا تلتزمون بالآية الكريمة "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"
فلما سألوه عن مقصده قال
" لا تعتمدوا على الناس في أن يغيروا أنفسهم، ولكن اعتمدوا على أنفسكم في تغيير ما بأنفس الناس".

وفهموا ما الذي يقصده الحكيم، فعادوا للبلدة، وجمعوا أموالهم، واشتروا قطعة ارض زراعية، فزرعوها بالدقيق، ثم بنوا مخبزاً صغيراً، وجاءوا بالخبازين ليعملوا فيه. وباعوا الخبز. ووضعوا شروطاً قاسية على كل من يخالف النظام، فأي مثير للشغب أو محدث للفوضى يمنع نهائياً من أخذ الخبز. وجعلوا لكل مواطن حصة لا يتعداها. فصار الناس يتركون المخبز القديم ويذهبون لمخبز الشباب بعدما رأوا فيه احتراماً لهم وعدم إهانة لإنسانيتهم. فلما علمت الحكومة بهذا الأمر استشاطت غضباً، وقررت أن تغلق هذا المخبز، ولكن الشباب بحكمتهم تفاوضوا معها واستطاعوا أن يحافظوا على إدارتهم للمخبز وإن فقدوا جزءاً كبيراً من الأرباح تناله الحكومة. ولكنهم تنازلوا عنه لأنهم في النهاية لا يسعون إلا لهدف واحد وهو القضاء على الفوضى.

وهكذا، مرت شهور طويلة لا يحدث فيها أي خرق للنظام في المخبز، وزاد البيع وفتحوا مخابز في بلدان أخرى، وانتهت الفوضى تماماً. وكان السر أنهم لم يطلبوا من الناس أن يغيروا ما بأنفسهم وأن يتحولوا من الفوضى إلى النظام. بل أجبروا الناس على أن يغيروا ما بأنفسهم. أجبروهم على التحول من الفوضى إلى النظام. فبعد أن كان اعتقاد الناس أن من يضرب ويتشاجر يحصل على الخبز، صار اعتقادهم أن من يلتزم النظام يحصل على الخبز. فتغير المفهوم نفسه في أنفس الناس، فغير الله ما بهم.

لذلك مانحتاجه في الوقت الحاضر هو تغير مفاهيم الناس تجاه القضايا التي تهمهم
لو دققنا في القصة لوجدنا أن محاولات التغيير في بلادنا جاءت تطلب من الناس أن يتغيروا. ولم تجبرهم على أن يتغيروا.فمثلا عمرو خالد جاء يطالب الناس بالعمل من أجل الوطن، ولكنه نسى أن في أذهان الناس يرسخ أن العمل من أجل الوطن لا يسمن ولا يغني من جوع. وحركات التغيير السياسية جاءت تطلب من الناس أن يثوروا، بينما في أذهان الناس ترسخ أن الثورة تساوي الاعتقال والتعذيب ولا تحقق في النهاية شيئاً ذا قيمة. ورجال الوعظ الديني والأخلاقي جاءوا يطلبون من الناس فعل الخير، بينما في ذهن الناس فإن العمل الطيب يضيع صاحبه في هذا الزمن، وأن عليك أن تأتي بالمال من أي مكان حتى تعيش.

فعامة الناس كما قال الإمام علىّ في عبارته الخالدة : أتباع كل ناعق، تحركهم كل ريح ولم يستضيئوا بنور العلم. فوجب على المفكرين وأصحاب القوة الراغبين في نهضة هذه الأمة أن يُجبروا الناس على التغيير لا أن يطالبوهم به. والإجبار هنا معناه أن يضعوهم في ظروف تغير نظرة الناس للأمور. فإذا تغيرت نظرة الناس للأمور تغيرت أنفسهم، وإذا تغيرت أنفسهم غير الله ما بهم.